أتمتة الوظيفة المالية

في هذا العدد من "كفاح المؤسسين"، نسلّط الضوء على أجينكيا تانبور، مؤسس كروسفال (CrossVal)، وهي شركة ناشئة تعمل على أتمتة الوظائف المالية باستخدام الذكاء الاصطناعي.

بذرة الفكرة

بدأت رحلة أجينكيا الريادية من مشكلة كانت تؤرقه حرفيًا طوال الليل. خلال عمله في رأس المال الجريء (VC) والأسهم الخاصة (Private Equity)، كان يواجه تحديًا متكررًا أثناء عمليات العناية الواجبة (Due Diligence). مع تقدّم هذه العمليات، كانت الفرق المالية والمديرون الماليون (CFOs) يجدون صعوبة في تجميع البيانات المالية. يقول أجينكيا: "كانت مشكلة مؤلمة للغاية. كانت المؤشرات المالية والبيانات متناثرة بين ملفات Excel وملفات PDF ومصادر أخرى، دون وجود آلية منظمة لجمعها وتحليلها."

في إحدى الليالي، وبينما كان مستيقظًا يفكر في هذا التحدي المتكرر، بدأت بذرة الفكرة تتشكل في ذهنه. ومع حلول الصباح، شاركها مع بعض الموجهين الذين شجّعوه على اتخاذ الخطوة الأولى. ما بدأ كفكرة خام سرعان ما تطوّر إلى حل متكامل يسعى إلى تبسيط العمليات المالية وأتمتة التخطيط والتحليل المالي.

رؤيته حول التوظيف

رغم أنه ليس مطورًا بالأساس، بنى أجينكيا النماذج الأولية الأولى لـكروسفال باستخدام منصات "بدون كود" مثل بابل (Bubble). لكنه أدرك سريعًا الحاجة إلى خبرة تقنية متخصصة. في نهاية المطاف، عثر على رئيس الهندسة الحالي، كاران جافيري (Karan Jhaveri)، عبر إعلان وظيفي نشره على LinkedIn. يروي أجينكيا: "رأيت ملفه الشخصي وقلت: لمَ لا أتحدث معه؟" سرعان ما أدرك أن رؤيتهما متوافقة، وأن كاران يمتلك المهارات التقنية اللازمة، مما جعله الخيار المثالي للانضمام إلى الفريق.

مع توسّع الفريق ليصل إلى سبعة أعضاء، ركّز أجينكيا على استقطاب الأشخاص ذوي العقلية النامية (Growth Mindset). يعترف قائلًا: "التوظيف دائمًا معقد، فأنت تراهن على الأفراد، لكن التوافق في القيم والقدرة على التكيف يُحدثان فرقًا كبيرًا." كانت طريقته في التوظيف بسيطة لكنها فعّالة. يشرح: "كنت أجري مكالمة، أسأل عن حياتهم اليومية، واهتماماتهم الإبداعية، وكيفية تعاملهم مع المشكلات. كنت أبحث عن طريقة تفكيرهم أكثر من مهاراتهم التقنية." ساعد هذا النهج كروسفال على بناء فريق متجانس مع رؤيته وثقافته.

مقترح "CrossVal"

تعمل كروسفال على أتمتة الوظائف المالية باستخدام الذكاء الاصطناعي. يوضح أجينكيا: "بدأنا كمنصة SaaS للشركات (B2B)، ونجحنا في الوصول إلى 30,000 دولار كإيرادات شهرية متكررة (ARR)." استنادًا إلى هذا النجاح، تعمل كروسفال حاليًا على تطوير وكيل ذكاء اصطناعي للمحاسبة، قادر على تحويل كشوف الحسابات البنكية الخام إلى تقارير مالية متكاملة، تشمل الميزانيات والبيانات المالية، في غضون دقائق. يقول أجينكيا: "نحن نتحدث عن التحوّل الرقمي للوظائف المالية."

البداية المبكرة والنمو السريع

بدأت رحلة كروسفال بمكالمة هاتفية باردة قادت إلى لقاء، ومن ثمّ إلى الحصول على أول عميل. في المراحل الأولى، كانت معظم قاعدة عملائها من الشركات الناشئة، التي أبدت استعدادًا أكبر لاعتماد تقنيات جديدة، وتمتلك دورات مبيعات سريعة، حيث كان إغلاق الصفقات يتم خلال أسبوع واحد فقط في بعض الأحيان. ساعدت ردود الفعل من هؤلاء العملاء على تحسين المنتج وصقله.

اليوم، أصبحت كروسفال تخدم مجموعة بارزة من العملاء، من بينهم كافو (Cafu) ومركز دبي المالي العالمي (DIFC). كما أن جزءًا كبيرًا من نموها جاء عبر التوصيات الشفهية. عزّزت الشركة أيضًا مصداقيتها من خلال حصولها على تقدير في برنامج Deloitte Fast 50، ومشاركتها في مسرّعة صندوق محمد بن راشد للابتكار (MBRIF)، الذي أتاح لها فرصًا قيّمة لعقد شراكات مع جهات حكومية رئيسية.

التوسع نحو السوق الأمريكية؟

حاليًا، تتركز قاعدة عملاء كروسفال في الإمارات بنسبة 75%، تليها السعودية بـ15%، بينما تشكل بقية دول العالم 10%. لكن المثير للاهتمام أن 75% من الزيارات العضوية لموقعها الإلكتروني تأتي من الولايات المتحدة، مما يشير إلى فرصة غير مستغلة في الأسواق الأمريكية. يعلّق أجينكيا: "المشكلة التي نحاول حلها عالمية." لكنه يضيف أن العملاء في الإمارات والسعودية يميلون إلى امتلاك قيمة عمرية أطول (LTV) نظرًا لتركيزهم على بناء العلاقات البشرية، على عكس العملاء الغربيين الذين يفضلون الحلول ذاتية الخدمة (Self-Service) التي تعتمد على المنتج أولًا.

التطور المستمر

نجحت كروسفال في جمع 250,000 دولار في جولة تمويل "ما قبل البذرة" (Pre-Seed) في نهاية عام 2023، بدعم من مستثمرين ملائكيين بارزين، من بينهم مسؤولون تنفيذيون في مبادلة (Mubadala) وفيزا (Visa) والشرق الأوسط IBM.

مع استعداد الشركة لإطلاق وكيل الذكاء الاصطناعي وجمع جولة تمويل جديدة، يعكس أجينكيا على الرحلة الريادية قائلًا: "من السهل أن تقع في حبّ ما تبنيه، لكن الشركات الناشئة تتطلب تطورًا مستمرًا." نصيحته لرواد الأعمال الآخرين بسيطة لكنها جوهرية: "ابقَ منفتحًا على التغيير، ثق في العملية، وتقبل الدروس التي تجلبها كل مرحلة."